کد مطلب:239571 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:147

الامام یبلغ عقیدته لجمیع الفئات
و أخیرا .. لابد لنا فی نهایة حدیثنا عن هذا الموقف التاریخی من الاشارة الی أنه كان من الطبیعی أن یضم ذلك الحشد العظیم، الذی یقدر بعشرات، بل بمئات الالوف :

1- حشدا من أهل الحدیث و اتباعهم، الذین جعلوا صلحا جدیدا بین الخلفاء الثلاثة، و بین علی (ع) فی معتقداتهم، بشرط أن یكون هو الرابع فی الخلافة و الفضل . و لفقوا من الأحادث فی ذلك ما شاءت لهم قرائحهم ؛ حتی جعلوه اذا سمع ذكرا لأبی بكر یبكی حبا، و یمسح عینیه ببرده [1] .

و جعلوه أیضا ضرابا للحدود بین یدی الثلاثة : أبی بكر، و عمر،



[ صفحه 321]



و عثمان [2] ، كما تنبأ هو نفسه (ع) بذلك [3] الی غیر ذلك مما لا یكاد یخفی علی الناظر البصیر، و الناقد الخبیر ..

2- و حشدا من أهل الارجاء، الذین ما كانوا یقیمون وزنا لعلی، و عثمان . بل كانت المرجئة الاولی لا یشهدون لهما بایمان، و لا بكفر ..

3- و أیضا .. أن یضم حشدا من أهل الاعتزال، الذین أحاطوا بالمأمون، بل و یعد هو منهم، و الذین تدرجوا فی القول بفضل علی (ع) حسبما اقتضته مذاهبهم و مشاربهم؛ فقد كان مؤسسا نحلة الاعتزال : واصل بن عطاء، و عمرو بن عبید، لا یحكمان بتصویبه فی وقعة الجمل مثلا، و لكن أتباعهما تدرجوا علی مر الزمان فی القول بفضله ؛ فقد شكك أبوالهذیل العلاف فی أفضلیته علی أبی بكر، أو القول بتساویهما فی الفضل . و لكن رئیس معتزلة بغداد : بشر بن المعتمر، قد جزم بأفضلیته علی الخلفاء الثلاثة، و لكنه قال بصحة خلافتهم .. و قد تبعه جمیع معتزلة بغداد، و كثیر من البصریین ..

و اذا كان ذلك الحشد الهائل یضم كل هؤلاء، و غیرهم ممن لم نذكرهم .. فمن الطبیعی أن تكون كلمة الامام هذه : « و أنا من شروطها » ضربة موفقة و دامغة لكل هؤلاء، و اقامة للحجة علیهم جمیعا، علی اختلاف أهوائهم، و مذاهبهم ..

و یكون قد بلغ بهذه الكلمة : « و أنا ... » صریح عقیدته، و عقیدة



[ صفحه 322]



آبائه الطاهرین (ع) فی أعظم مسألة دینیة، تفرقت لاجلها الفرق فی الاسلام، و سلت من أجلها السیوف . بل لقد قال الشهرستانی :

« .. و اعظم خلاف بین الامة خلاف الامامة، اذ ما سل سیف فی الاسلام علی قاعدة دینیة مثلما سل علی الامامة فی كل زمان .. » [4] .

و بعد كل ما قدمناه .. لا یبقی مجال للقول : ان قوله هذا : « و أنا ... » لا ینسجم مع ما عرف عنه (ع) من التواضع البالغ، و خفض الجناح ؛ اذ لیس ثمة من شك فی أن للتواضع و خفض الجناح موضع آخر . و أنه كان لابد للامام فی ذلك المقام، من بیان الحق الذی یصلح به الناس أولا و آخرا، و یفتح عیونهم و قلوبهم علی كل ما فیه الخیر و المصلحة لهم، ان حاضرا، و ان مستقبلا، و ان جزع من ذلك قوم، و حنق آخرون ..


[1] تاريخ الخلفاء ص 120، و غيره.

[2] تاريخ الخلفاء ص 120 ،119، و المحاسن و المساوي ج 1 ص 79 طبع مصر . و الفتوحات الاسلامية لدحلان ط مصطفي محمد ج 2 ص 368.

[3] فقد قال بعد أن ضرب الوليد بن عقبة الحد، لشربه الخمر : « لتدعوني قريش بعد هذا جلادها » . الغدير ج 8 ص 121 . و قد صدقت نبوءته ، صلوات الله و سلامه عليه ؛ فقد جعلوه - كما تري - ضرابا للحدود بين يدي الثلاثة !!!.

[4] الملل و النحل، ج 1 ص 24 . و قال الخضري في محاضراته ج 1 ص 167 : « .. و الخلاصة : أن مسألة الخلافة الاسلامية و الاستخلاف، لم تسر مع الزمن في طريق يؤمن فيه العثار . بل كان تركها علي ما هي عليه، من غير حل محدد ترضاه الامة، و تدفع عنه سببا لاكثر الحوادث التي أصابت المسلمين، و أوجدت ما سيرد عليكم من أنواع الشقاق و الحروب المتواصلة، التي قلما يخلو منها زمن، سواء كان ذلك بين بيتين، أو بين شخصين .. » انتهي .

و أقول : اذن .. كيف جاز للنبي (ص) أن يترك الامة هكذا هملا ، ثم لا يضع حلا لأعظم مشكلة تواجهها ، مع أن شريعته كاملة و شاملة ، و قد بين فيها كل ما تحتاجه الامة ، حتي أرش الخدش.